أسباب تراجع معدل التضخم السنوى لشهر فبراير 2025 إلى 12.5%

شهدت مصر تعافيًا ملحوظًا في مواردها من النقد الأجنبي بعد مرور عام على قرار تحرير سعر الصرف، في خطوة رئيسية كانت لها آثار إيجابية في معالجة أزمة نقص العملة الصعبة التي مرت بها البلاد. 

وعلى الرغم من التحديات المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم، نجح القرار في تعزيز تدفق الاستثمار الأجنبي، وزيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج، بالإضافة إلى الوصول إلى مستويات غير مسبوقة في احتياطي النقد الأجنبي.

قرار تحرير سعر الصرف.. تحول اقتصادي بالغ الأثر

في 6 مارس 2023، اتخذ البنك المركزي المصري قرارًا تاريخيًا بتحرير سعر الصرف بهدف القضاء على السوق السوداء لتجارة العملة التي كانت تسبب ضغوطًا هائلة على الاقتصاد الوطني. هذا القرار جاء بعد معاناة مصر من تفاقم أزمة نقص النقد الأجنبي على مدار عامين، بفعل الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي والمصري على حد سواء.

كان للسعرين المختلفين لصرف الدولار—الأول الرسمي عبر البنوك، والآخر في السوق السوداء—أثر سلبي كبير على الاقتصاد، مما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، حيث سجل معدل التضخم في سبتمبر 2023 38%، قبل أن يتراجع بشكل ملحوظ إلى 24% في يناير 2024، مما يعكس تعافيًا نسبيًا بعد تطبيق سياسات البنك المركزي.

قفزة في احتياطي النقد الأجنبي

أحد أبرز نتائج تحرير سعر الصرف كان الزيادة القياسية في احتياطي النقد الأجنبي، الذي ارتفع بمقدار 12.1 مليار دولار ليصل إلى 47.4 مليار دولار بنهاية فبراير 2024، مقارنة بـ 35.31 مليار دولار في فبراير 2023. 

وقد شكلت تدفقات مشروع رأس الحكمة البالغ قيمته 35 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة الدعم الرئيس في هذا التوسع، حيث حصلت مصر في فبراير 2024 على 24 مليار دولار على 3 دفعات من الإمارات، بالإضافة إلى تسوية ودائع إماراتية مستحقة بقيمة 11 مليار دولار.

تحويلات المصريين.. استقرار ملموس

بعد تحرير سعر الصرف، عادت تحويلات المصريين العاملين في الخارج إلى التداول عبر البنوك والصرافات، بعد أن كانت قد اختفت بشكل كبير لصالح السوق السوداء بسبب نقص الدولار. 

ووفقًا لـ البنك المركزي المصري، سجلت التحويلات زيادة كبيرة بنسبة 51.3% في عام 2024، حيث وصلت إلى 29.6 مليار دولار مقارنة بـ 19.5 مليار دولار في عام 2023، مما يعكس استعادة الثقة في النظام المالي المصري بعد التخلص من آثار السوق السوداء.

الاستثمار الأجنبي.. تدفقات إيجابية

شهدت مصر أيضًا عودة قوية لـ الاستثمار الأجنبي غير المباشر بعد الخروج الجماعي لـ الأموال الساخنة في 2022، حيث بلغ حجم خروج الاستثمارات نحو 22 مليار دولار في تلك السنة نتيجة المخاوف المرتبطة بأزمة النقد الأجنبي. 

ومع تحرير سعر الصرف، تدفق نحو 24.5 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أول 8 أشهر من 2023، ليصل الإجمالي إلى 38.2 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2023، مسجلًا مستويات قياسية.

الدعم الدولي.. قروض صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي

في إطار دعم الاقتصاد المصري بعد تحرير سعر الصرف، حصلت مصر على مساعدات كبيرة من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. 

ورفع صندوق النقد الدولي قروضه إلى 8 مليارات دولار، مقابل 3 مليارات دولار في البداية، لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.

وقد تم صرف 3 دفعات بقيمة إجمالية قدرها 1.64 مليار دولار في أبريل وأغسطس 2024.

وتترقب مصر حاليًا الشريحة الرابعة من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 1.2 مليار دولار، بالإضافة إلى تمويل آخر للمرونة والاستدامة بقيمة 1.3 مليار دولار. 

كذلك، حصلت مصر على الشريحة الأولى من تمويل المفوضية الأوروبية بقيمة مليار دولار من إجمالي التمويل المخصص بقيمة 8 مليارات دولار على مدى 4 سنوات حتى 2027.

مستقبل الاقتصاد المصري

بعد عام من تحرير سعر الصرف، يظهر أن الاقتصاد المصري في طريقه للتعافي، مدعومًا بمصادر النقد الأجنبي التي تعززت بشكل كبير من خلال الاستثمارات الأجنبية، تحويلات المصريين العاملين بالخارج، ودعم المشاريع الكبرى مثل مشروع رأس الحكمة. 

ورغم التحديات التضخمية التي ما تزال تؤثر على المواطنين، إلا أن مؤشر الاستقرار الاقتصادي بدأ يتحسن، مع زيادة الاحتياطي النقدي وتحسن الاستثمار الأجنبي.

تشير التوقعات إلى أن مصر قد تستمر في استثمار هذه النجاحات الاقتصادية لتعزيز نموها المستدام، مع استمرار الدعم الدولي من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي و الاتحاد الأوروبي، وهو ما يساهم في دفع الاقتصاد المصري نحو المستقبل بثقة أكبر.