الأحد، 13 أبريل 2025

07:31 م

عودة "الباشوات".. عبث نخبوي أم تجاهل للواقع؟

السبت، 12 أبريل 2025 03:51 م

أحمد سليمان

أحمد سليمان

بقلم - أحمد سليمان

في خضم ما تمر به مصر من تحديات اقتصادية خانقة، ومعاناة يومية يعيشها المواطن في كل تفاصيل حياته، خرج علينا الدكتور أسامة الغزالي حرب، المفكر السياسي المعروف، بدعوة تثير الدهشة بل وتثير الغضب لإعادة إحياء الألقاب المدنية وعلى رأسها "الباشا"، معتبرًا أن بعض الشخصيات مثل محمد أبو العينين ونجيب ساويرس وطلعت مصطفى وأحمد أبوهشيمة، تستحق أن يُطلق عليها هذا اللقب.

يا دكتور أسامة، من قال إن مصر الآن بحاجة إلى "باشوات".. وهل نحتاج اليوم إلى ألقاب أرستقراطية لتجميل مشهد سياسي واجتماعي مأزوم؟، دعونا لا نخدع أنفسنا، فالفجوة بين الطبقات اتسعت بما يكفي، وملايين المصريين يسعون فقط لتأمين لقمة العيش، لا لأن تُمنح ألقاب تشريفية لأثرياء لم يسأل أحد عن مصادر ثرواتهم أو مدى تأثيرهم الحقيقي في حياة المواطن.

الدعوة ليست فقط عبثية في توقيتها، لكنها تُرسخ لمنطق طبقي تجاوزه الزمن، فبدلًا من أن نُكرم من يستحق بلقب "باشا"، لماذا لا نُكرم عمال اليومية.. ولماذا لا يُمنح اللقب لمُعلم في مدرسة حكومية يُصارع الظروف يومًا بعد يوم، يبني عقول الأجيال داخل فصل مزدحم ومكان متواضع، أو لطبيب في وحدة صحية نائية لا يتقاضى ما يكفي لسد حاجته.

كما أن الدستور المصري حسم الجدل منذ سنوات، حين وضع حدًا واضحًا لأي محاولات لإعادة إنتاج تراتبية اجتماعية قائمة على الألقاب، فالمادة 26 لم تُدرج هذا الحظر عبثًا، بل جاءت استجابة لتجارب تاريخية أثبتت أن الألقاب تُعمق الفجوة بين المواطنين وتُرسّخ مظاهر التمييز الطبقي في مجتمع يسعى لتحقيق العدالة والمساواة، فدعوة إحياء هذه الألقاب اليوم تمثل خروجًا صارخًا على نص وروح الدستور، وتفتح الباب لتكريس نخبوية مصطنعة لا علاقة لها بالإنجاز أو الوطنية.

الدكتور أسامة الغزالي حرب، الذي يفترض أن يكون من مناصري العدالة الاجتماعية، اختار أن يُعيد إحياء لغة انتهت مع سقوط نظام الإقطاع، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل ساخر، ثم إن الحديث عن ساويرس باشا، وأبو العينين باشا، وهشام باشا، يُظهر احتكارًا للنخبة الاقتصادية للتمثيل المجتمعي، وكأن مصر قد خلت من أصحاب الإنجازات الحقيقية سوى من يملكون الأبراج والشركات والاستثمارات، وإن كانت هناك نية لتكريم، فليكن تكريمًا للضمير لا للثروة، ولتكن مصر الجديدة قائمة على الإنجاز الحقيقي لا على ورقٍ يحمل ألقابًا ترفيهية لا تُشبع جائعًا ولا تُعلم أميًا ولا تُصلح مدرسة أو مستشفى.

ختامًا، أقول للدكتور أسامة الغزالي حرب: بدلًا من أن تفتش في دفاتر الماضي عن "باشوات"، ابحث في وجوه البسطاء عن معاني الشرف الحقيقية، "فالباشا في مصر اليوم.. هو من لا يبيع ضميره".

search